عدوان إسرائيل على سورية- صمت مريب ومؤامرة مُحاكة؟

المؤلف: حمود أبو طالب10.29.2025
عدوان إسرائيل على سورية- صمت مريب ومؤامرة مُحاكة؟

في غضون يوم واحد فحسب من التحول السياسي الذي شهده النظام الحاكم في سوريا، شنّت إسرائيل هجوماً جوياً عنيفاً وغير مسبوق على مواقع الجيش السوري، مستخدمةً ما يقارب 350 طائرة حربية، استهدفت حوالي 320 هدفاً عسكرياً، وتمكنت من تدمير ما يقارب 80% من القدرات القتالية للجيش السوري. هذا يعني بشكل واقعي أن سوريا أضحت بلا قوة عسكرية واضحة، وأي دولة تفقد جيشها المجهز تصبح عرضة للأخطار المحدقة، مما سهّل لإسرائيل السيطرة على المنطقة العازلة في الجولان بلا مقاومة، بل وتوسعت قليلاً بعدها. وصرّح رئيس الوزراء الإسرائيلي، نتنياهو، بأن هدف إسرائيل جليّ وهو منع أي تهديد محتمل من سوريا، لكن أي تهديد كان يمكن توقعه من دولة في حالة الضعف الشديدة، دولة لم تستقر بعد، ولا تمتلك قيادة قادرة على اتخاذ قرارات تهدد أي طرف مجاور، حتى وإن كان ضعيفاً.

الأمر المثير للدهشة والاستغراب، هو الصمت المطْبق للمجتمع الدولي تجاه هذا الاعتداء السافر. حتى الآن، لم يصدر سوى بيان رسمي واضح ومباشر من المملكة العربية السعودية يدين هذا العمل ويشدد على ضرورة احترام سيادة سوريا ووحدة أراضيها. لكن الأغرب من موقف المجتمع الدولي هو الغياب التام لأي رد فعل من إدارة التغيير في سوريا نفسها، على الأقل تعبيراً عن رفضها لما قامت به إسرائيل، وهذا أقل ما يمكن فعله لإثبات الوجود والتمسك بالحقوق، وهو أضعف الإيمان.

هذا الوضع يتحول من كونه مجرد أمر غريب إلى أمر يثير الشكوك والريبة، إذا ما وضعنا حلقات هذا السيناريو في سياق متصل منذ بدايته وحتى الصمت المطبق على الانتهاكات الإسرائيلية الفظيعة لسيادة سوريا على أرضها وتدمير قدرات جيشها، في الوقت الذي تسلمت فيه فصائل المعارضة، أو بالأخص هيئة تحرير الشام، مقاليد الأمور. من المؤكد والبديهي أن إدانة العدوان الإسرائيلي لن تكون موضع خلاف بين السوريين، مهما بلغت خلافاتهم وانقساماتهم، والإدانة وحدها، لو صدرت، لا تشكل بأي حال من الأحوال تهديداً لإسرائيل، هذه الحقيقة تدركها إسرائيل قبل أي طرف آخر، ولكنها تعبر عن موقف وطني وأخلاقي. فلماذا لم يتخذ القائمون على شؤون سوريا هذا الموقف الآن؟

المسألة ليست مجرد محاولة لإحياء نظرية المؤامرة بخصوص ما يحدث دون سبب أو دليل قاطع، ولكنه سيناريو يدفع أي مراقب موضوعي إلى طرح أسئلة جوهرية ومهمة: سقوط المدن السورية الواحدة تلو الأخرى كأحجار الدومينو المتساقطة بسرعة قياسية وصولاً إلى دمشق على أيدي فصائل مسلحة كانت وزعيمها مُدرجة على قوائم الإرهاب الدولية، والمغادرة المفاجئة للرئيس السابق، وتنصل حلفائه من تقديم الدعم له، ثم الاختفاء الغامض لدور الجيش أو غيابه الفعلي على أرض الواقع، هذا بالإضافة إلى الانقضاض الإسرائيلي السريع والوحشي على البنية التحتية للجيش وانتهاك الأراضي السورية، وأخيراً الصمت المريب من المجتمع الدولي ومن داخل جهاز إدارة المرحلة الانتقالية، فماذا يحدث بالفعل؟ وما هي الترتيبات التي تم إعدادها لسوريا؟ وهل سنكتشف في يوم من الأيام، لا قدر الله ما هو أسوأ، أن سوريا قد تخلصت من كابوس واحد لتجد نفسها في كابوس آخر أشد فتكاً وخطورة، خاصة وأن الأمر يبدو واضحاً فيما يتعلق بمخطط الشرق الأوسط الجديد، الذي يراد لإسرائيل أن تكون القوة العظمى فيه، وتحقيق حلمها التاريخي في التوسع في الأراضي العربية.

فهل نحن أمام تحول إيجابي حقيقي في سوريا يبشر بمستقبل مزدهر ومشرق؟ أم أننا نشهد فصلاً جديداً من فصول المخطط التدميري للمنطقة بأسرها؟

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة